طريق الأخلاق

طريق الأخلاق

طريق الأخلاق

ارتباط الإيمان بالخلق

$Gustaf_Lubon.jpg*

جوستاف لوبون

مؤرخ فرنسي
أصول الأخلاق
"إن أصول الأخلاق في القرآن عالية، وإن أخلاق الأمم التي دانت له تحولت بتحول الأزمان مثل تحول الأمم الخاضعة لدين عيسى، إن أهم نتيجة يمكن استنباطها هي تأثير القرآن العظيم في الأمم التي أذعنت لأحكامه؛ فالديانات التي لها ما للإسلام من السلطان على النفوس قليلة جدًّا، وقد لا تجد دينًا اتفق له ما اتفق للإسلام من الأثر الدائم، والقرآن هو قطب الحياة في الشرق، وهو ما نرى أثره في أدقّ شؤون الحياة".

طريق السعادة هو طريق ترفرف فيه الأخلاق حتمًا، ولا بد للسائر عليه أن يجد في أرجائه المحبة والتسامح والكرم والعفو والحياء والسلام والتواضع والإيثار والعدل والصدق والصدقة والشورى وغير ذلك من مكارم الأخلاق، وهو أيضًا طريق السمو على النفس ورغباتها إلى الخُلق العالي والأدب الوفير، وليست الأخلاق من مواد الترف التي يمكن الاستغناء عنها٬ بل تأتي مكانتها في مقدمة الأصول التي يتوقف عليها اتجاه الحياة، فإن حسُنت أخلاق الأفراد انعكس ذلك إيجابيًّا على سعادة حياتهم وحياة مجتمعاتهم، وإن ساءت شقوا وتعسوا جميعًا.

$Tolstoy.jpg*

تولستوي

أديب روسي
العادات الذميمة
"يكفي محمد فخرًا أنّه خلّص أمةً ذليلةً دمويةً من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريقَ الرُّقي والتقدم، وأنّ شريعةَ محمدٍ، ستسودُ العالم لانسجامها مع العقل والحكمة".

ولذلك حرص الإسلام على غرس الفضائل في نفوس أتباعه٬ وحثهم على التمسك بها، وقد حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم الغاية الأولى من بعثته بقوله "إنما بُعِثت لأتمم مكارم الأخلاق" [رواه البيهقى]، فكأن رسالة الإسلام التي امتدت عبر الزمان والمكان لتشيد أكبر الحضارات التي عرفتها البشرية٬ وبذل صاحبها جهدًا كبيرًا في تبليغ نورها وجمع الناس حولها٬ لا تنشد أكثر من تحسين أخلاق البشر وتزكية فضائلهم٬ وإنارة آفاق الكمال أمام أعينهم.

إذن بعثته صلى الله عليه وسلم كانت من أجل الأخلاق وتنميتها، وتزكية النفوس وتطهيرها، وقد كان الناس في ضلال عن كثير من هذه الأخلاق لا يعلمون عنها ولا يهتمون بها، قال تعالى {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: 2] ، وقال تعالى أيضا{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151]

الإيمان قوة تدفع المؤمن إلى المكرمات وتعصمه عن الدنايا والأخطاء، فضعف الخُلق يعد دليلًا على ضعف الإيمان، كما أن حسن الخلق يعد برهانًا على قوة الإيمان، وقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإيمان القوى يلد الخُلق القوى حتمًا٬ وأن انهيار الأخلاق مرده إلى ضعف الإيمان أو فقدانه٬ فغير المؤمن يقترف الرذائل غير آبه لأحد، لا يخشى ملامة، ولا يرجو حسابًا على جرائمه٬ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الحَيَاء والإيمان قُرِنَا جميعًا، فإذا رُفِع أحدهما رُفِعَ الآخر" [رواه البيهقى] ، بل جعل صلى الله عليه وسلم سوء الخلق مع الجار يدل على انتفاء الإيمان٬ فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قالوا: وما ذاكَ يا رسول الله، قال: الجار لا يَأمَنُ جارُهُ بَوَائِقَهُ، قالوا: يا رسول الله وما بَوَائِقُهُ؟ قال: شَرُّهُ" [رواه البخاري] .

ومن ثم؛ فإن الله عندما يدعو عباده إلى خير أو ينفرهم من شر يجعل ذلك مقتضى الإيمان المستقر في قلوبهم، وما أكثر ما يقول الله عز وجل فى كتابه{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ} ، ثم يذكر بعد ذلك ما يُكلفهم به؛ مثل قوله{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]

، وكذلك تجد الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يعلِّم أتباعه محاسن الأخلاق يربط ذلك بالإيمان أيضًا، مثل قوله "مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرِم ضيفه، ومَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليَحْفَظ جارَه، ومَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليَقُل خيرًا أو ليصمُت" [رواه أحمد]

، وهكذا يعتمد الإسلام على صدق الإيمان وكماله في غرس الفضائل في النفوس.

العبادات والأخَلاق

$Marcel.jpg*

مارسيل بوازار

مفكر فرنسي
القانون والأخلاق
"لا تمييز في العقيدة الإسلامية بين الموجِب القانوني والواجب الخلقي، وهذا الجمع المحكم بين القانون والخلق يؤكد قوة النظام منذ البداية".

العبادات في الإسلام ليست أقوالًا غامضة وحركات لا معنى لها٬ بل هي أفعال وأقوال تزكي النفس وتَطِيب بها الحياة، فالفرائض في الإسلام تهدف لأن يحيا المسلم بأخلاق حميدة٬ وأن يظل مستمسكًا بهذه الأخلاق٬ مهما تغيرت الظروف والأحوال، والقرآن الكريم والسنة المطهرة يكشفان بوضوح عن هذه الحقائق؛ فالصلاة الواجبة عندما أمر الله بها أوضح أنها تنهى عن الأخلاق السيئة من الفحشاء والمنكر٬ فقال{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45]

والزكاة في الإسلام ليست عبارة عن ضريبة تؤخذ من الأغنياء لتعطى للفقراء فقط٬ إنما هي غرس لمشاعر الرحمة والرأفة٬ وتوطيد لعلاقات التعارف والألفة بين شتى الطبقات، فضلًا عن تطهير النفس من المساوئ والعيوب٬ والتسامي بالمجتمع إلى مستوى راقٍ ونبيل من التعامل، هو الحكمة الأولى من الزكاة، كما قال الله تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103]

؛ ومن أجل ذلك لم تقتصر الصدقة على إخراج الأموال، بل شملت عددًا من الأخلاق الرفيعة التي تسهم في سعادة المجتمع وأفراده، ووسع النبي صلى الله عليه وسلم في دلالة كلمة الصدقة التي ينبغي أن يبذلها المسلم، فقال صلى الله عليه وسلم "إفراغُك من دَلوِك في دَلْوِ أخيك صدقَة، وأمرُك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة" ، وفي رواية "وتبسُّمُك في وجه أخيك صدقة، وإِمَاطَتُك الحجر والشَّوكة والعَظْم عن طريق الناس صدقة، وهَدْيُكَ الرجل في أرض الضَّالَّة صدقة" [رواه البيهقي].

والصوم أيضا كذلك لم ينظر إليه الإسلام على أنه حرمان من الأكل والشراب فقط٬ بل اعتبره خطوة إلى الشعور بمعاناة الفقراء والمحرومين، وفي نفس الوقت ترشيد للنفس والتحكم في شهواتها ونزواتها، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم "مَنْ لمْ يَدَع قول الزُّور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" [رواه أحمد]، وقال صلى الله عليه وسلم "ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللَّغْوِ والرَّفَثِ، فإن سَابَّكَ أحد أو جَهِلَ عليك، فلتقل: إني صائم، إني صائم" [رواه ابن خزيمة]

أما الحج فقد يحسب الإنسان أنه عبارة عن رحلة مجردة من المعاني الخُلقية؛ لما قد تحتويه الأديان أحيانا من تعبدات غيبية، وهذا خطأ؛ إذ يقول الله تعالى في الحديث عن هذه الشعيرة {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197]

، وكل ما سبق يبين متانة الأواصر التي تربط الدين بالخُلق الحسن، فأهم أركان الإسلام كالصلاة والصيام والزكاة والحج٬ وبقية الطاعات في الإسلام٬ هي طرق توصل إلى كمال الإنسانية المنشود ورقيها إلى حياة طيبة تنعم بالسعادة والطمأنينة في ظل الأخلاق الحميدة والمبادئ النبيلة، فهي عبادات متباينة في أعمالها ومظهرها٬ ولكنها تلتقي عند الغاية التي رسمها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" [رواه البيهقي]

؛ ولذا فطريق السعادة طريق يرتكز على الأخلاق ويدور في فلكها، ولا تنفصل فيه الأخلاق عن العبادة ألبتة.

الأخلاق في الإسلام

$Jack_Ressler.jpg*

جاك . س . ريسلر

باحث فرنسي
قواعد لأدق التفاصيل
"إن القرآن يجد الحلول لجميع القضايا، ويربط ما بين القانون الديني والقانون الأخلاقي، ويسعى إلى خلق النظام والوحدة الاجتماعية، وإلى تخفيف البؤس والقسوة والخرافات؛ إنه يسعى إلى الأخذ بيد المستضعفين، ويوصي بالبر، ويأمر بالرحمة، وفي مادة التشريع وضع قواعد لأدق التفاصيل للتعاون اليومي، ونظم العقود والمواريث، وفي ميدان الأسرة حدد سلوك كل فرد تجاه معاملة الأطفال والأرقاء والحيوانات والصحة والملبس.. إلخ".

طريق السعادة تقوم أصولُه التشريعية والتهذيبية والعقائدية على الأساس الأخلاقي في كل شيء، بدءًا من الخُلق والأدب مع الله تعالى، مرورًا بالخلق والأدب مع النفس ومع الأصحاب والأقارب والجيران، والخُلق مع العدو والمحارب، وحتى الخُلق مع الحيوانات والكائنات، بل والخُلق الحسن مع البيئة والأشجار والنباتات، ويتضمن كل ذلك الخُلق في الأقوال، والخُلق في الأفعال، بل وفي القلوب والأفهام، يقول سبحانه مقرِّرًا مبدأً من مبادئ محاسن الأخلاق القولية {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]، ويقول سبحانه مؤصِّلا لمبدأ محاسن الأخلاق الفعلية {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} [المؤمنون: 96]

$Thomas_Carlyle.jpg*

توماس كارليل

ناقد ومؤرخ اسكتلندي
افتراء وبهتان
"يزعم المتعصبون أن محمدًا لم يكن يريد إلا الشهرة الشخصية ومفاخر الجاه والسلطان، كلَّا وأيم الله لقد كان في فؤاد ذلك الرجل الكبير ابن القفار والفلوات، العظيم النفس، المملوء رحمةً وخيرًا وحنانًا وبرًّا وحكمةً، أفكار غير الطمع الدنيوي، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه، وكيف لا وتلك نفس صافية ورجل من الذين لا يمكنهم إلا أن يكونوا مخلصين جادين؟!"

ومَن تأمل في كتاب الله وجده مليئًا بالأوامر الأخلاقية؛ تأمّلوا هذه الآياتِ، قال تعالى{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60]، وقال تعالى {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] ، وقال تعالى{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] ، وقال تعالى{ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}[الحجر: 85]، وقال تعالى{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، وقال تعالى{وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55]، وقال تعالى {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]

$William_Montgomery_Watt.jpg*

مونتجومري وات

مستشرق بريطاني
العدالة والنزاهة
"إن استعداد هذا الرجل لتحمل الاضطهاد من أجل معتقداته، والطبيعة الأخلاقية السامية لمن آمنوا به واتبعوه واعتبروه سيدًا وقائدًا لهم، إلى جانب عظمة إنجازاته المطلقة.. كل ذلك يدل على العدالة والنزاهة المتأصلة في شخصه؛ فافتراض أن محمدًا مدَّع هو افتراض يثير مشاكل أكثر ولا يحلها، بل إنه لا توجد شخصية من عظماء التاريخ الغربيين لم تنل التقدير اللائق بها مثل ما فعل بمحمد".

لقد كان صلى الله عليه وسلم خُلقه القرآن، وكيف لا يكون خُلقه كذلك وقد أثنى عليه الله تعالى بقوله{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4

؛ ولذا بُعث صلى الله عليه وسلم برسالة وضعت للخُلق الحسن من المنزلة ما لم تضع لغيره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلقًا، وخيارهم خيارهم لنسائهم" [رواه البيهقي]، وقال صلى الله عليه وسلم"البرّ حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطّلع عليه النّاس" [رواه مسلم]

$Louis-Pierre_Sedillot.jpg*

لويس سيديو

مستشرق فرنسي
دين الأخلاق
"لا تجد في القرآن آية إلا توحي بمحبة شديدة لله، وفيه حث كبير على الفضيلة خلال تلك القواعد الخاصة بالسلوك الخلقي، وفيه دعوة كبيرة إلى تبادل العواطف، وحسن المقاصد، والصفح عن الشتائم، وفيه مقت للعجب والغضب، وفيه إشارة إلى أن الذنب قد يكون بالفكر والنظر، وفيه حض على الإيفاء بالعهود حتى مع الكافرين، وتحريض على خفض الجناح والتواضع، ويكفي جميع تلك الأقوال الجامعة المملوءة حكمة ورشدا لإثبات صفاء قواعد الأخلاق في القرآن، إنه أبصر كلّ شيء".

ويقول صلى الله عليه وسلم"إنّ الفحش والتّفحّش ليسا من الإسلام في شيء، وإنّ أحسن الناس إسلامًا أحسنهم خُلقًا" [رواه أحمد]، ويقول صلى الله عليه وسلم "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلقٍ حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء" [رواه البيهقي]، ويقول صلى الله عليه وسلم" إن أحبّكم إليّ وأقربكم منّي أحاسنكم أخلاقًا، وإن أبغضكم إليّ وأبعدكم منّي في الآخرة مساويكم أخلاقًا الثّرثارون[1] المتشدّقون[2] المتفيهقون[3] " [رواه أحمد].

[1] الثرثارون: الذين يكثرون الكلام خروجًا عن الحق. [2] المتشدقون: المتوسعون في الكلام من غير احتياط واحتراز، وقيل: المستهزئون بالناس يلووون شدقهم لهم وعليهم، وقيل: المتكلفون في الكلام. [3] المتفيهقون: الذين يملأون أفواههم بالكلام ويفتحونها من الفهق؛ وهو الامتلاء والاتساع، قيل: وهذا من التكبر والرعونة.

والأخلاق في الإسلام شاملة كاملة، تبدأ بـــ:

حُسن الخُلق مع الله والناس والحيوانات والبيئة

الخلق مع الله يتضمن ثلاثة أمور:

أولًا: الإيمان به وتلقي أخباره بالتصديق، قال الله تعالى عن نفسه {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء: 87]، ويقتضي التصديق بكلام الله أن يكون الإنسان مؤمنًا به، ومدافعًا عنه، ومجاهدًا في سبيله، بحيث لا يداخله شك أو شبهة في أخبار الله عز وجل وأخبار رسوله صلى الله عليه وسلم .

ثانيًا: أن يتلقى الإنسان أحكام الله بالقبول والتنفيذ والتطبيق، فلا يرد شيئًا من أحكام الله، فإذا ردَّ شيئًا من أحكام الله فهذا سوء خلق مع الله عز وجل؛ ولذا نهى الله أن نقدم رأينا أو هوانا على كلامه، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1]

ثالثًا: تلقِّي أقداره بالرضا والصبر، فإنَّ حسن الخلق مع الله نحو أقداره هو أن يرضى الإنسان ويستسلم ويطمئن لأقدار الله وقضائه؛ ولهذا امتدح الله الصابرين فقال تعالى{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ١٥٥ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}[البقرة: 155: 156]

حسن الخلق مع الناس

$Thomas_Arnold.jpg*

توماس أرنولد

مستشرق بريطاني
إنما المؤمنون إخوة
"كان المثل الأعلى الذي يهدف إلى أخوة المؤمنين كافة في الإسلام، من العوامل التي جذبت الناس بقوة نحو هذه العقيدة".

أمر الله بالإحسان إلى كل الناس، وخاصة الوالدين وذوي القربى؛ وهُم الأرحام الذين يجب وصلهم، والجيران؛ فقال تعالى{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} [البقرة: 83]، وقال تعالى{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177]، وقال تعالى {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 215]، وقال تعالى{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ٧٤ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ۢ} [الأنفال: 74: 75]، وقال تعالى{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36]، وقال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]، وقال تعالى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ٢٤ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ٢٥ وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ٢٦ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ٢٧ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا} [الإسراء: 24: 28] وقال تعالى{فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الروم: 38]، وقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، وقال تعالى{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22]، وقال تعالى{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ١٩ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ ٢٠ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ٢١ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّار ٢٢ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ٢٣ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ٢٤ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } [الرعد: 19ـ 25]

والأخلاق في الإسلام ليست مرتبطة بالصديق والصاحب والقريب والجار فقط، بل تتعداهم حتى إلى الأخلاق مع العدو حتى لو كان محاربًا! وبذلك تشمل كل البشر، قال تعالى {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]

، وأمر الله بعدم الاعتداء حتى على من يقاتلنا، قال تعالى {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]

، وانظر إلى خلق الإسلام مع العدو المحارب في أوامر النبي صلى الله عليه وسلم لجيشه الخارج للجهاد في سبيل الله ومقاتلة الأعداء؛ قال صلى الله عليه وسلم "لا تَغْدِرُوا ولا تَغُلُّوا ولا تُمَثِّلُوا ولا تقتلوا الوِلدَان ولا أصحاب الصَّوامع" [رواه أحمد]، فعجيب أمر دين يأمر بهذه الأخلاق مع الأعداء المحاربين، أما غير المحارب ـ حتى لو كان عدوًا ـ فقد رغب الله في برهم والقسط معهم، فقال الله تعالى{ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين} [الممتحنة: 8]

حسن الخلق مع الحيوان:

توسع الخُلق في الإسلام حتى شمل الأخلاق مع الحيوانات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"عُذِّبت امرأة في هرَّة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش4 الأرض " [رواه البخاري]، بل كتب الله الإحسان حتى في ذبح الحيوان، يقول ًصلى الله عليه وسلم "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبح، وليحدَّ أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته" [رواه مسلم]

[4] خشاش: حشرات وهوام الأرض.

حسن الخلق مع البيئة:

$Prince_Charles.jpg*

الأمير تشارلز

وليّ عهد بريطانيا
الإسلام والبيئة
"لا يوجد فصل في القرآن الكريم بين الإنسان والطبيعة، والعالم الإسلامي يحتضن أعظم الكنوز المتراكمة من الحكمة والمعرفة المتاحة للإنسانية".

جاء الإسلام كذلك بالأدب حتى مع البيئة والمظهر العام؛ فدعا إلى عدم الإسراف؛ ومن ثم استنزاف الموارد الطبيعية وتبديدها، قال تعالى{كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60]، وقال سبحانه وتعالى {وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ ١٥١ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} [الشعراء: 151: 152] ، وكذلك بقية العناصر الطبيعية من ماء ونحوها التي أولاها الإسلام عناية كبرى، قال تعالى{ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: 30]وقال أيضا {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [النحل: 65]

وإلى جانب القرآن الكريم فإن الرسول صلى الله عليه وسلم حث بدوره على حماية البيئة ومكوناتها، حيث تزخر السنة النبوية بالدعوات المتكررة للحفاظ على البيئة؛ ومن ثَمَّ الحدّ من أثر الظواهر الطبيعية مثل: التجريف والتصحر والجفاف؛ وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم "اتّقوا الملاعن الثّلاث: البراز في الموارد[5]، وقارعة الطريق، والظِّل" [رواه أبو داود]، ويقول صلى الله عليه وسلم " ما من مسلم يزرع زرعًا، أو يغرس غرسًا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة" [رواه مسلم]، ويقول صلى الله عليه وسلم" إن قامت السّاعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتّى يغرسها فليفعل" [رواه أحمد] ، "مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بسعد وهو يتوضأ؛ فقال صلى الله عليه وسلم «ما هذا السرف؟ فقال: أفي الوضوء إسراف؟! قال: نعم، وإن كنت على نهر جار "[رواه ابن ماجه]، وهذا ما فعله الصحابة أنفسهم من حسن الخلق مع البيئة حتى أثناء الحرب ومع عدوهم، فقد أوصى أبو بكر رضي الله عنه قائد جيشه بقوله "لا تقتلنَّ صبيًّا، ولا امرأة، ولا كبيرًا هرمًا، ولا تقطعنَّ شجرًا مثمرًا، ولا تعقرنَّ شاة ولا بقرة، إلّا لمأكلة، ولا تخرّبنّ عامرًا، ولا تغرّقنَّ نخلًا ولا تحرّقنَّه " [رواه مالك]

[5] الموارد: المجاري والطرق إلى الماء.

من الوصايا الأخلاقية

يحسن بنا أن نستعرض عددًا من الوصايا الأخلاقية التي جاءت في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ ومن ذلك:

أ- في القرآن الكريم:

قال تعالى{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58]، وقال تعالى{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ١٥١ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ 152 وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 151: 153]

وقال تعالى {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]

وقال تعالى{وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود: 115]

وقال تعالى{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ٢٩ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ٣٠ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ٣١ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ٣٢ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ٣٣ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ا ٣٤ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ٣٥ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ٣٦ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ا ٣٧ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ٣٨ ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: 29: 39]

وقال تعالى{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ١٣٣ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133: 134]

وقال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ١١ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ 12 يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 11: 13]، وقال تعالى {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور ١٧ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ٖ ١٨ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } [لقمان: 17: 19] ، وقال تعالى {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63] ، وقال تعالى {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36]، وقال تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159]

ب - في السنة النبوية:

إذا ذهبنا إلى بستان الأحاديث النبوية سنجد أن فيه العديد من أشجار الإيمان نستطيع أن نقتطف منها ثمارًا يانعة من الأخلاق الحميدة والمبادئ الفاضلة؛ ومن ذلك:

قال رسول الله "حُرِّم على النار كل هيِّن، ليِّن، سهل، قريب من النّاس" [رواه الترمذي].

وقال صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه "إن فيك لخصلتين يحبّهما الله: الحلم والأناة" [رواه أحمد] .

وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا "ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر" [رواه مسلم] .

وقال صلى الله عليه وسلم"ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكنَّ الغنى غنى النّفس" [رواه البخاري] .

وقال صلى الله عليه وسلم "ليس الشَّديد بالصَّرعة، إنما الشَّديد الذي يملك نفسه عند الغضب" [رواه البخاري] .

وقال صلى الله عليه وسلم "لا يشكر الله من لا يشكر النّاس" [رواه أحمد] .

وقال صلى الله عليه وسلم "إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا، ولا يبغي بعضكم على بعض" [رواه ابن ماجه] .

وقال صلى الله عليه وسلم"كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك فى إناء أخيك" [رواه الترمذي] .

وفي الختام سنجد أن العلاقة بين السعادة الحقيقية ومكارم الأخلاق هي علاقة وثيقة ومترابطة ومتشابكة؛ فالأخلاق الحسنة هي المنبع الوحيد لسعادة بني البشر وبدونها لا توجد سعادة أبدًا، ولا يحصد الإنسان في حياته سوى الخيبة والأسى والشقاء والكآبة والنكد؛ لذلك فالسعادة من أهم دوافع الإنسان نحو التخلق بالأخلاق الحميدة؛ لأنه يعلم علم اليقين أنه بدون محاسن الأخلاق لن يفوز بلحظة سعادة حقيقية ولا بيوم هناء وسرور.




كلمات دليلية: