كاخ أنا جاهز للسفر.. فقط لتدرك أنّ القضية قضية مبادئ لا مصالح. جيّد.. لكن عندي شرط! شرط؟!! وما هو؟ ترسل لمجلس الإدارة تخبرهم بعدولك عن الاستقالة، وقبولك بالسفر. لماذا؟ حتى تُنهي الزوبعة التي أثرتها. حسنًا لا بأس، ومتى السفر؟ في أقرب وقت يمكن الحجز فيه، ولكن إلى أين ستسافر؟ اتفقنا، سأسافر إلى مصر. هههه.. يبدو أنك لازلت تبحث عن طريق السعادة! سيأتيك بعد قليل مدير العلاقات بالحجوزات، ولتذهب لسعادتك. شكرًا لك.
حجزت لك إلى مصر بعد غد فهل يناسبك؟ ولماذا العجلة؟ لا أدري هذا طلب كاخ، وعمومًا أسعدني الخبر؛ إذ هذا يقتضي أنك ستستمر معنا في العمل. ومن قال غير ذلك؟ إشاعة قوية بين الموظفين بأن كاخ يريد فصلك. كنت خائفًا، أما الآن فلا أدري لماذا أعتقد أنه إن كان أحد سيفصل الآخر، فأنا الذي سأفصله، شكرًا لك على مشاعرك. وقال لي كاخ أن أذكرك بالبريد. لقد أصبح يخاف منّي، سأرسل البريد الذي يريده بعد قليل. وسترسَل لك المستندات والمعلومات كاملة على بريدك اليوم، فهي لم تجهز بعد؛ فقد فوجئنا بالخبر. أنتظرها.. شكرًا لك. وصيتي لك كصديق: انتبه لنفسك من كاخ يا جورج، أما من حيث عملي فأنا بلغتك به، أستأذن. شكرًا لك، صدقني أن الأخلاق والمبادئ تغلب المكر والخداع.
مرحبا.. لقد حجزت إلى بلادكم يا مصري. مبارك عليك.. هذا خبر سار، سأخبر الشيخ باسم ليكلم أخاه لاستقبالك، فأخوه يتحدث الإنجليزية، وليس مثل أخي، متى موعد السفر؟ بعد غد، يبدو أن الموضوع أسرع ممّا توقعت. هل تستطيع أن تأتيني اليوم، فأنا وحدي في المستشفى؟ إن كان مناسبًا جئتك بعد قليل، سأتحرك الآن. مناسب جدًّا.. أنا أنتظرك.
مرحبًا تبدو منهمكًا في القراءة، ماذا تقرأ؟ أقرأ في كتاب الله «القرآن». ألم تقرأه سابقًا؟ بلى قرأته كثيرًا جدًّا، ولكني أحب أن أقرأ فيه كل يوم. كل يوم؟! ألا تملون؟! نعم نحن نقرأ فيه كل يوم، ونستلذ بذلك، فكما أن معجزة عيسى عليه السلام أنه يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله فمعجزة محمد صلى الله عليه وسلم هي هذا القرآن الخالد. ماذا تعني بالخالد؟ أعني أن الله تكفل بحفظه، ألم تقرأ ترجمة قوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9].. بصدق.. ألا تشعر وأنت تقرأ ترجمته بإعجازه؟ صدقًا.. تمنيت وأنا أقرأ الترجمة أن أقرأ الأصل لا الترجمة، فرغم أني أقرأ ترجمة إلا أنني أشعر أنه يخاطبني في كثير من الموضوعات. أنا أعرف أكثر الموضوعات مخاطبة لك. وكيف عرفت؟ يبقى توحيد الله وأسماءه وصفاته وجلاله وجماله أعظم ما يهز أي بشر، ولا أحتاج أن أعلم الغيب لأقول ذلك. آه، نعم صدقت، كما أن التكامل في الإسلام بين الدنيا والآخرة، والروحانية المتفردة هي أيضًا مما أتعجب له. الإسلام يجعل حياة الإنسان متكاملة؛ فليس فيه رهبانية ولا بعد عن الله، بل يجعل الحياة كلها عبادة لله إذا أخلصت النية. المهم أنا سأسافر بعد غد إلى القاهرة، فبماذا توصني؟ هههه، أن تشرب من النيل. هل لديكم في الإسلام أن الشرب من النيل عبادة؟ هههه، لا، كنت أمزح معك، لدينا المصريين أن من يشرب من النيل لا بد وأن يرجع إليه؛ وذلك لجمال البلد وأهلها. يبدو أن أحب البلاد إليك مصر! بلا شك أني أحب مصر حبًّا كثيرًا، وكم أتمنى أن أعود إليها، لكني أحب مكة والمدينة أكثر. عجيب! لماذا؟
هل تعدون نبيكم مخلِّصًا لكم، كما نعد عيسى مخلِّصًا لنا؟ فكرة الخلاص فكرة لا تستقيم مع العقيدة الإسلامية البتة، فعيسى عليه السلام نبي مرسل، ومحمد صلى الله علي وسلم نبي مرسل، ويفترض ألا نفرق بين أحد منهم في الإيمان به؛ فنحن نؤمن بالأنبياء جميعًا، ومن قدح أو انتقص عندنا في أي نبي كفر. حتى لو قدح شخص في موسى نبي اليهود، أو عيسى نبي النصارى؟ نعم، ألم تقرأ في القرآن قوله تعالى {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} [البقرة:136]. قرأته.. وهذا شيء ممّا بهرني في القرآن، فأنتم تقدرون موسى وعيسى ولوط وآدم أكثر من أتباعهم، ذكرتني بشيئين: بالكتاب الذي أهداه المصري لكاترينا: «حبي العظيم لعيسى أدخلني الإسلام» لكاتب فنزولي، وذكرتني بالأنبياء في العهد القديم.
كل الأنبياء جاءوا بالتوحيد لله وبعبادته وحده، لكن التحريف أدخل الشرك في الأديان. عذرًا لن تعلمنا في ديننا، ولن تكون أعرف من اليهود باليهودية، ولا أعرف من المسيحيين بالمسيحية. صدقت، ربما اليهود أعرف مني بدينهم الآن، والمسيحيون أعرف مني بدينهم الآن، لكنه من المحال عقلًا وشرعًا أن يكون هناك آلة مع الله! كيف؟
أما عقلًا: فقد ذكر الله الاستدلال العقلي في قوله {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء:22]، فلو كان له مدبران وربان أو أكثر من ذلك؛ لاختل نظامه، وتقوضت أركانه؛ فإنهما يتمانعان ويتعارضان، وإذا أراد أحدهما تدبير شيء، وأراد الآخر عدمه، فإنه محال وجود مرادهما معا، ووجود مراد أحدهما دون الآخر، يدل على عجز الآخر، وعدم اقتداره، كما أن اتفاقهما على مراد واحد في جميع الأمور غير ممكن، فإذًا يتعين أن يكون القاهر الذي يوجد مراده وحده من غير ممانع ولا مدافع هو الله الواحد القهار، ولهذا ذكر الله دليل التمانع في قوله {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون:91]. منطق فلسفي رائع! وإن كان يخالف المسيحية وينقضها بالكامل! ليس فلسفيًّا بل ربانيًّا، ولا ينقض المسيحية بل ينقض الوثنية والشرك، وإلا فعيسى عليه السلام جاء بالتوحيد الخالص، دعني أسألك ما سأل نبي الله يوسف عليه السلام صاحبيه في السجن كما في القرآن {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ.39 مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف:39ـ 40]، فأيهما خير؟! لكن كيف تقول ما أنزل الله بها من سلطان؟! والعهد الجديد مليء بذكر ألوهية عيسى! رغم أنك حِدت عن السؤال، لكن سنكمل نقاشنا، أنت تعرف أكثر مني أن العهد الجديد مليء بالتحريف، وتعرف أكثر مني أن بعض نسخ العهد الجديد ذكرت التوحيد لله، ولا أعرف حتى عقلًا كيف يمكن أن يكون هناك إلهين؛ فربما تصارعا أو اختلفا؛ ففسدت السماوات والأرض، كما قال تعالى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:22]، أو بان خلافهما كما قال تعالى {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون:91]. هذا موضوع كبير جدًّا، كم أكره الصور والأصنام التي نجدها في الكنائس الكاثوليكية، وأشعر أنها نوع من الوثنية التي تذكرني بعبَّاد الأصنام، لكن لم آت لهذا النقاش! لا يوجد شيء محببًا في الإسلام مثل جمال التوحيد وطمأنينته وسعادته وأمنه. سعادته! وطمأنينته! وأمنه!
نعم، فالشرك يجعل القلب ضيقًا مشتتًا، ألم تقرأ ترجمة قول الله {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82]، أو قوله {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد:28]، أو قوله {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124].. أعرف أنك لم تأت لهذا! عمومًا أعتذر؛ فربما أطلت عليك لكن أنت الذي سألت. قبل أن نقفل هذا الموضوع أود أن أسألك سؤالًا ورد في ذهني كثيرًا وأنا أقرأ القرآن، ذكرت في آخر نقل من القرآن تهديد الله بأن يحشر بعض الناس عميانًا! أليست هذه سادية من الله؟! تعالى الله وجل سبحانه، القرآن مليء بوصف الله {ذو الجلال والإكرام}، فهو الكريم الرحمن الرحيم العفو الغفور الجواد الشكور.. إلى آخر أسماء الجمال فيه سبحانه، كما أنه فيه صفات الجلال والقوة والقدرة، كما قال تعالى {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } [الرحمن:78]. ربما ذلك ورد في ذهني بسبب ما أذكر من وصايا الله في العهد القديم بالقتل والسلب والقسوة. نعم هذا سبب، وربما أضيف سببا آخر، وهو أن المسيحيين اعتادوا على فكرة الخلاص، مما يعني أنه لا يوجد يوم القيامة نار، إلا للفقير الذي لا يستطيع أن يدفع قيمة صك الغفران. بدأت بالهجوم، ليس لدينا نحن البروتستانت صكوك الغفران، كما لدى الكاثوليك والأرثوذكس، وإن كانت فكرة الخلاص لدينا جميعًا. كما تفضلت.. فكرة وعقيدة الخلاص بكل تطبيقاتها تؤول إلى أن الجميع سينجو فقد خلصه المسيح عليه السلام؛ مما لا يجعل ليوم القيامة فائدة ولا معنى، كما لا يجعل العمل عبادة فسواءً عملت أم لم تعمل فقد خلصك المسيح عليه السلام، ألا ترى أن ذلك مكافأة وتشجيع لعدم طاعة الله وللعمل بالمبادئ لا المصالح؟
ربما، وبمناسبة المبادئ ذكرتني بكاخ وبالعمل، سأسافر بعد غد للقاهرة عندكم، فما الترتيبات المقترحة؟ أتوقع أن يصل الآن الشيخ باسم فقد اتصلت به بعد اتصالك وأخبرته، وقال لي بأنه سيصل إلينا بعد ساعة تقريبًا، وأظنه على وشك الوصول، سيكون أخاه مرافقًا لك هناك، ويريد أن يسمع منك كل ما تريد أنت أن يرتبه قبل سفرك، اعتبرنا جميعًا في خدمتك. هههه، لماذا؟ لم أفهم! لماذا تخدمونني؟! ماذا تكسبون مني ومن خدمتي؟! عذرًا على السؤال لكنه يأتيني كثيرًا. أنت صديقي فلذلك أخدمك، والشيخ باسم يخدمك خدمة لي فأنت صاحبي، كما أن هناك سببا آخر أود أن أحتفظ به. عذرًا، هل يمكن أن تذكر لي السبب الآخر؟ بصراحة.. أنا وهو نأمل أنك ربما تُسلم، ولدينا في ديننا أنه لو أوصلنا شخصًا لسعادة الإيمان بالله فهذا من أفضل القربات لله. أعتذر لك يا آدم رغم حرصك الشديد، لكن أظن أني لن أسلم أبدًا، ولذا أقترح ألا تتعبان نفسيكما، في تعريفي بالإسلام أو في خدمتي. لا تخف علينا، الأجر يقع لنا بمجرد البذل، حتى لو لم تسلم، والخدمة أقدمها لك صداقة، وفيها الأجر من الله أيضًا، فخدمة الناس ومساعدتهم من أفضل القربات إلى الله، ومع ذلك أنا أعتقد أنه من يرد الله به خيرًا يشرح صدره للإسلام، ولدي شعور قوي أنك ستدخل في الإسلام، فأنت صاحب عقل ومنطق. ربما، لكن لا أظن، وآمل ألا يزعجك ذلك، لكن لماذا تغيرت لهجتك عن السابق؟ ماذا تعني؟ لم تكن تذكر لي شيئا عن دينك أو عن القرآن، والآن طوال وقتك تتحدث عن ذلك، هل كنت تتلاعب بي وتضحك علي؟ كنت متأكدا أنك ستصل للإسلام، وستترك كل الأديان، وأنت تسير في طريق يوصلك للإسلام، فلماذا أقطعك عن الطريق؟ ولم أغير رأيي إلا في لحظة واحدة! متى؟ عندما كنت مريضًا قبل إجرائك للعملية. لماذا؟! بصراحة خشيت أن تموت، وأنا أحب لصديقي أن يكون رفيقي في الجنة.. هذا الشيخ باسم قد وصل، أهلا بك يا شيخ.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا، ماذا يعني ما قلتما؟ هي تحيتنا نحن المسلمون، وهي دعاء للآخر؛ تسأل الله تعالى أن يسلمه من الآفات الحسية والمعنوية؛ فالسلامة الحسية سلامة البدن والعرض والمال، والسلامة المعنوية سلامة الدين من الآفات، ثم دعاء له بالرحمة والبركة، فديننا دين السلام والرحمة. مرة أخرى ستعيدونني للنقاش عن الدين! أنا مسافر بعد غد، فما هي الترتيبات المقترحة؟ الذي تريد، أخي هناك، ويمكن أن يرتب لك كل ما تريد. لا أعرف المطلوب مني هناك من الأعمال حتى الآن، وأتوقع أنه أرسل لي على بريدي الإلكتروني، لكن أنا بعد التأمل أود زيارة ورؤية بعض الأشياء الشخصية طبعًا غير العمل، وأتوقع أن تقترحا لي أماكن وأشياء أخرى. ماذا تريد أن تزور؟ أود زيارة الأهرامات، والكنيسة الأرثوذكسية، ومقابلة بعض قساوستهم، كما أود أن أرى بعض علماء المسلمين. كل ما ذكرته سهل جدًّا، وسيرتبه لك أخي فقد كلمته، وأقترح عليك ـ والأمر لك ـ أن تعايش بسطاء الناس وتسمع منهم. جيد ومهم، لكن.. كم تكاليف هذه الجولات السياحية التي ستقدمونها لي؟ لسنا شركة سياحية، ستدفع بنفسك تكاليف الخدمات السياحية، وبالنسبة لأخي فهي خدمة للضيف، وذلك من العبادة المأمور بها المسلم. كل المسلمين هكذا؟ ههههه، لا طبعًا.
انتبه لنفسك من اللصوص والنشالين، ومن المشعوذين والمخرفين، ومن غيرهم من الأصناف، لا يوجد مجتمع مثالي في هذه الحياة، المدينة الفاضلة في أذهان وأحلام أصحابها فقط.
ألا يدعوا الإسلام لمكارم الأخلاق؟!
تفضل هذه البطاقة فيها معلومات أخي كاملة، وسينتظرك في المطار إذا أرسلت له رسالة على البريد بالموعد أو اتصلت عليه.. ولا تخش شيئًا؛ فأخي يتحدث الإنجليزية. كلمت أخي أيضًا قبل قليل؛ ليسضيفك في البيت عندنا، إلا أنه لا يتحدث الإنجليزية؛ ولذا لا يصلح أن يكون مرافقًا. أنا شاكر لكما، ومضطر للانصراف لأني تأخرت، وأتوقع أن أكون غدًا طوال الوقت في الشركة؛ لإكمال التجهيزات للسفر، ولديّ بعض الأعمال التي لا بد أن أنجزها اليوم، وسأتواصل معكما من مصر، أنا شاكر لكما جدًّا. مصر في انتظارك، مع السلامة. في أمان الله.
«عزيزي جورج أنا مستمتع في ليبيا أكثر مما توقعت.. صحيح أن هناك مشكلة في الأمن في ليبيا هذه الأيام، ومشكلة في الطقس، لكن أشعر بسياحة روحانية لطيفة ندية رغم الجفاف الصحراوي فيها. سأوافيك بأخباري أولًا بأول وأتمنى أن توافيني بأخبارك أولا بأول؛ حتى نجد طريق السعادة. ملاحظة: لو كنت أخبرتني أنك ستسافر لمصر لجعلت سفري لمصر، بدلًا من ليبيا جانولكا»
«عزيزي جانولكا أعتذر عن عدم إخبارك بسفري لمصر؛ فلم أكن أتوقع، بل لم يتأكد إلا اليوم، وسأوافيك بأخباري عند سفري. ملاحظة:لم أفهم ماذا تعني بالسياحة الروحانية اللطيفة الندية؟! لكني أشعر حقيقة بجفاف روحي ممل. جورج»
كان يومًا شاقًّا جدًّا، بشر ما جديدك؟ سأسافر بعد غد إلى مصر. بعد غد، لماذا هذه العجلة؟! وبمهمة طويلة وصعبة جدًّا، ربما أكون أخطأت عندما اخترت مصر، أو أراد كاخ أن ينتقم مني بهذا ويشوه سمعتي أمام مجلس الإدارة. أنا متأكدة أنك ستنجح في مهمتك رغمًا عنه، فالرب معك. أحبك كاترينا، وأخشى أن هذا السفر سيأخذ مني أكثر من شهر، وفي بلد غريب عن عالمنا، غريب في لغته، في دينه، في حضارته، في أنظمته. ربما، لكن لدي شعور داخلي بأنك سترتاح في سفرك. أتمنى ذلك، وآدم يؤكد لي أن البلد جميل، يبدو أن آدم يحب بلده جدًّا. كل الناس يحبون بلادهم! نعم، لكن الأغرب، أنه يحب مكة أكثر مما يحب مصر، والسبب أن نبيهم يحبها أكثر، أيّ طاعة ومحبة هذه؟! ألا تذكرك بمحبة النصارى للرهبان؟
أبدًا، تذكرني بمحبتنا لعيسى، وإن كانت تختلف عنها. تختلف في ماذا؟ نحن نرى عيسى في مرتبة الألوهية، وهم يرونه نبيًّا رسولًا فقط، نحن نركز في حبنا لعيسى على أنه ضحى بنفسه ليخلصنا، وهم يركزون على أنه أُرسل من عند الله وعلمهم كل خير. أي خير! الإسلام، فهم يرون أن كل الخير فيه. كل الخير! هم يرون ذلك، ويقدمون رؤية إسلامية لكل مجالات الحياة، يقولون أنها جاءت من الله. ماذا تعنين بقولك «يرون.. يقولون»؟! المسلمون. قلت في رسالتك الأخيرة على البريد عن القرآن: «يبدو أنه من عند الله»، كانت رسالتك مفاجئة لي بكل المعايير. بل كان بحثي في سؤالك عن صحة نسبته لله هي المفاجئة لي، فلا شك في أن هذا الذي يقرأه العرب هو ما جاء به محمد بلا أدنى تحريف، لكن السؤال هل محمد صادقًا أم لا؟ الذي أفهمه من رسالتك أنك ترين أنه صادق؛ ولذا قلتِ: يبدو أنه من عند الله. لا لم أكن أقصد ذلك، ما أقصده أنه ليس كالعهد القديم والجديد فيه نسخ مختلفة متضاربة. رغم جمال النقاش، أنا مضطر أن أقطعه؛ فلدي عمل كثير لتجهيزه قبل السفر، بالمناسبة أين الأطفال؟ ذهبوا في رحلة مدرسية، لقد أخبروك بالأمس، أنسيت؟! عمومًا أتوقع أن يصلا بعد قليل ويكون الغداء جاهزًا وإن كان متأخرًا جدًّا. أووه لقد نسيت، وأنا جائع جدًّا فشكرًا حبيبتي، وأستأذنك سأكمل عملي حتى يأتي الغداء.
أهلًا أهلًا بك في مصر، أنا أخو باسم «جمال»، وهذا أخو آدم «محمد»، المعذرة هو لا يتقن الإنجليزيّة، ولكنّه حرص على الترحيب بقدومك. شكرًا لكما.. لنمضِ إلى فندق المطار، فقد حجزت غرفة فيه. الأمر إليك لكنه فندق بعيد عن البلد، والقاهرة شديدة الزحام، كما أنه غال جدًّا. لا بأس بتغييره غدًا، فأنا لم أحجز إلا يوما واحدا، لكني آمل أن ننتقل بعد ذلك إلى فندق نظيف وقريب من وسط البلد، وقريب من الشركات الكبرى في البلد. هناك فنادق كثيرة داخل البلد، وغدًا تختار أنت الفندق الذي تريده. أقترح أن تختار لي أنت وتحجزه غدًا؛ فإن أعجبني استمريت فيه، فأنا مشغول جدًّا. الذي تريد.. أنا متفرغ لخدمتك، لا تعرف مقدار توصية باسم بك. عجيبة حفاوة باسم بي!
عن السعادة لا الإسلام!
لا أفهم فرق بينهما، إذ لا سعادة بلا إسلام، وإلا لسعدتم أنتم في الغرب، فليس سرًا أن دولة مثل السويد نسبة الملاحدة واللادينيين فيها قرابة 80% هي من أكثر دول العالم انتحارًا، رغم أنها أكثرها رفاهية، أليس الانتحار هو قمة التعاسة والشقاء؟! لكن ألا ينتحر المسلمون أيضًا؟ للأسف نعم! لكنهم الأقل في الانتحار بفارق كبير، ففي دراسة قام بها الدكتور جوس مانويل والباحثة أليساندرا فليشمان، وهي دراسة علمية شاملة استندا إلى مراجع الأمم المتحدة الموثقة عن علاقة الدين بالانتحار، وجدا أن أكبر نسبة للانتحار عند الملاحدة؛ فهم يشكلون من المنتحرين قرابة 25%، ثم يليهم البوذيون، ثم المسيحيون، ثم الهندوس، ثم المسلمون بنسبة أقل من 1%، بل قال الباحثان بالحرف: "إن نسبة الانتحار في الدول الإسلامية ـ بخلاف كل الدول الأخرى ـ تكاد تقترب من الصفر، وسبب ذلك أن الدين الإسلامي يحرم الانتحار بشدة". هل يحرم الإسلام الانتحار؟
يبدو أن تخصصك مؤثر عليك! ولذا تحب الأرقام كثيرًا! شكرًا للمجاملة، فعلًا تخصصي رياضيات كما أخبرك أخي، والرياضيات العقلية تزيد في المنطق العقلي بلا شك، لكني تعلمت الأسلوب العلمي من ديني أولًا. كل شيء من النبي ومن دينكم! أنتم تبالغون! ربما، لكن ألا ترى أن المنهج العلمي يقتضي أن تحدد فيم أبالغ، لا أن تتهمني مباشرة بالمبالغة؟ غلبتني! كيف يحث دينكم على المنهج العلمي؟
إليك بعض مسلمات الإسلام المرتبطة بالمنهج العلمي، فمثلًا: حذر الإسلام من التقليد بلا عقل: يقول سبحانه عن المشركين {قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة:170]، وعن اتباع الظن بدون منهج علمي {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام:116]، وعن الهوى الذي يخالف العلم والمنطق والعقل والدراسة {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:119]، وعن البغض والكراهية التي تبعد عن العدل {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة:8]، وعن الموضوعية العلمية، قال تعالى عن اليهود {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [النساء:46]، وعن عدم البغي والشقاق {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى:42]، وعن الأمانة العلمية مع العدل بين الناس {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:58]، وعن العدل والقوامة بالقسط والشهادة بالحق {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء:135]، وعن أهمية البحث عن الدليل والبرهان والحجة {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل:64]، وعن... اقتنعت.. يكفي، هل أنت رجل دين كأخيك؟
أنا وأخي لسنا رجال دين بالمفهوم الكنسي عندكم، تخصص أخي دراسات إسلامية وتخصصي رياضيات.. وعلى فكرة أنت مدعو على وجبة عشاء من محمد أخي آدم.. وهو يسألك هل تريد أكلًا مصريًّا؟ أم تريد أكلًا من الوجبات السريعة؟ وجبة مصرية خفيفة. لدينا وجبة نسميها (كشري)، هل تأكلها أم لا؟ كشري! لا أعرفه لنجربه. الكشري هو مكرونة مع أرز مع بصل وطماطم وأشياء أخرى، عمومًا هي لذيذة جدًّا، وشعبية جدًّا، وستعجبك إن شاء الله، وهذا محل كشري مميز. لم يرتح محمد لاختيار جمال، فقال له: جمال هل يعقل أن نعزم ضيفنا من الخارج على كشري، لا يليق بأدب الضيافة. لا أبدًا يا محمد فهذا طلبه.. يا جورج محمد يعترض على دعوتك في مطعم رخيص، ويود أن تكون في مطعم غالٍ، فما رأيك؟ اشكره جدًّا، وقل له هذا طلبي، ومما يسعدني. أرأيت مثلما أخبرتك! قل له يا جمال بأننا سنستجيب لطلبه، ولكن مع الاعتذار الشديد، فنحن اعتدنا الكرم مع الضيف، هكذا عادتنا وهكذا ديننا. كل شيء لديكم بسبب الإسلام أو محمد، يبدو لي أنكم المسلمين أكثر تدينًا منَّا المسيحيين. كيف؟ لم أفهم؟ نحن نكتفي أن نصلي يوم الأحد، وأنتم تصلون كل يوم أكثر من مرة، أنتم معجبون ومهتمون بدينكم ونبيكم، ونحن ليس لدينا في الواقع قدسية حتى لأنبيائنا، أنتم ترون الدين حياة كاملة، ونحن نراها علاقة روحية فقط. وهل ما تقوله مدح أم ذم للمسلمين؟ ههههه، هو توصيف فقط، فأنتم تثورون وتغضبون غضبًا عارمًا على من تكلم على مقدساتكم، يكفي ما فعل الأفغان لما أهان الأمريكان مصحفهم وأحرقوه! من لا يهتم بمقدساته ويوقر أنبيائه، فلا يستحق أن يكون شيئًا، ألستم توقرون الملكة في بريطانيا؟ أليس الأمريكان يوقرون رؤساءهم المؤسسين؟ أليس الشيوعيين يوقرون ماركس ولينين؟ والنازيون يوقرون هتلر؟ وغيرهم كثير، ونحن نوقر الأنبياء كلهم، بل نحن نوقر عيسى عليه السلام أكثر مما يوقره حتى المسيحيون، ونحبه أكثر من ما تحبونه، ولا نضعه فوق منزلته؛ فهو عليه السلام عبد ورسول لله. نعم صحيح، لكنكم تبالغون!
أعني تبالغون في ربط الحياة بالدين. أما بالنسبة لعلاقة الدين بالحياة، فأعتقد أن من يرى العلاقة بين العبد وبين ربه مجرد علاقة روحية مؤقتة بالصلاة، ثم تبقى الحياة كلها بلا رب فهو لم يفهم الحياة ولا الدين ولا الإله، عذرًا وسيبقى في شقاء وهم وغم الدنيا حتى يصل إلى الانتحار الذي تحدثنا عنه قبل قليل، فليس للحياة وللدين أو الإله معني ما لم يكونا في رباط دائم.
سم بالله يا سيدي، الكشري وصل. ماذا يقول النادل؟ يذكرني أن أسمي الله قبل الأكل. ولماذا؟! إكمالًا لحديثنا السابق يفترض أن المسلم حياته كلها لله، فالمسلم يقول قبل الأكل بسم الله؛ أي أبتدئ هذا الفعل مصاحبًا أو مستعينا بـ (اسم الله)؛ ملتمسا البركة منه. جميل!
الإسلام لم يترك شاردة ولا واردة إلا وفيها حكم لله، كما قال سبحانه {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38]. كل شيء!
وهل ما قاله صاحب نبيكم صحيح؟! أم مجرد جدال وحجة لغير المسلم، هل صحيح أن في الإسلام تفاصيل الآداب؟
لماذا تعتقدون أنكم تملكون مكارم الأخلاق وحدكم؟
ماذا تعني؟ أعني أن الإسلام يكمل ويتمم الأخلاق والأديان والشرائع، فهو متمم لرسالة آدم وموسى وعيسى صلوات ربي عليهم جميعًا، فالخلق في الإسلام ليس شيئًا هامشيًّا، بل قضية أصيلة في ديننا. وهل (الكشري) شيئًا أصيلًا في دينكم؟ ههه، شيء أصيل في مصر، وليس في الإسلام، فهو طعام للفقراء وللأغنياء أيضًا. (الكشري) لذيذ. بالهناء والعافية، والشكر لمحمد مضيفنا الصامت؛ لكونه لا يتقن اللغة الإنجليزيّة. اشكر محمد كثير الشكر، وقل له أنها من أفضل ما أكلت. يتبقى المهلبية باللبن وقد طلبتها. محمد يقول لك يتبقى المهلبية باللبن وقد طلبها، وهي نوع من أنواع الحلوى المصرية التقليدية.
«لقد كانت إجاباتكم مفاجئة ومفيدة لي وهي على النحو التالي: حبيب: لا أحب الإسلام رغم أن كثيرًا من أطروحاته علمية، أنصحك بزيارة الكنيسة الأرثوذكسية. ليفي: عند مناقشة الإسلام لا بد من مناقشة الوحشية والتطرف والتخلف والرجعية والفساد. كاترينا: لا أدري ما السر الذي يجذب في هذا الدين! ربما من الجيد التأكد من حبهم للمسيح وإكرامهم للمرأة. آدم: أفضل مرجع هو كتاب الله القرآن، وأتمنى ألا يتحدث عن الإسلام من لم يدرسه ويتعلم منه. جانولكا: الإسلام بساطة عميقة، وعمق بسيط، لا أدري ما السحر الذي في هذه الأفكار، أفضل قراءة بعض ما كتب المنصفون الغربيون عن الإسلام. وسأضيف لكم مني أنا جورج: هناك أسرار غريبة في الإسلام: التوحيد ـ الشمول ـ الطمأنينة ـ الروحانية ـ العلمية ـ الإرهاب ـ المرأة ـ المرجعية ـ المصداقية ـ التاريخ. وأقترح أن تكون الرسالة التي تليها في تجلية الأمور الضبابية التي ذكرتها، فمن لديه رأي يوافينا به؟ جورج».
«عزيزي جورج أتمنى أن تكون وصلت لمصر بصحة وعافية، أشعر بأنك متجه للإسلام بقوة واندفاع بخلاف دراساتك السابقة لليهودية والنصرانية.. انتبه لنفسك من المسلمين؛ فأنا أخاف عليك منهم. ليفي».
«عزيزتي ليفي أشكر لك مشاعرك الصادقة، وسآخذ حذري وأوافيك بالأخبار أولًا بأول، قد أبدو كما ذكرت لكن ثقي أني لن أندفع لدين أبدًا إلا بعد اطمئناني بالكامل له، وسأتشاور معكم أشكر لكِ حرصك جورج».
«عزيزي جورج سرني ابتعادك عن الشركة، وقبولك بمهمة لم تعرفها قبل موافقتك، أتمنى لك النجاح؛ فقد رتبت كل شيء لك، أما إن فشلت فتحمل نتيجة فشلك، أنتظر نجاحك. كاخ».
شكرًا جزيلًا.. من أين أنت سيديّ؟ من بريطانيا. وأنت؟ من مصر.. من الإسكندرية.
هل تستطيع أن تحدثني عن الإسكندريّة؟ الإسكندرية من أكبر المدن المصرية، مدينة قديمة تأسست على يد الإسكندر الأكبر المقدوني عام 332 قبل الميلاد.
يبدو أن ذهنك مشغول عني، أستأذنك..
فقط كنت أفكر في تاريخ الإسكندرية العريق. أنا لم أكمل دراستي الأساسية وبالكاد أكتب، لكني أحب مصر والإسكندرية خاصة، والإسكندرية بلا شك بلاد العراقة، هل سبق وأن زرتها يا سيدي؟ شوقتني لزيارتها، هل أنت مسلم؟ لا أنا مسيحي...
كيف العلاقة بين المسلمين والمسيحيين؟ كيف دخل الإسلام مصر؟ وقعت الحرب بين المسلمين والبيزنطيين، وكان الأقباط المصريين يحاربون مع المسلمين؟ الأقباط المسيحيون؟! الأقباط هم أهل مصر الأصليون، ولا يعني أنهم كلهم مسيحيون.. وعندما فتح المسلمون الإسكندريّة تمتع أهلها بالحرية الدينية، وحافظوا على الجالية اليهوديّة، ولم يتعرضوا للكنيسة أبدًا. ولماذا لم تسلم إذن ما دمت معجبًا بالمسلمين؟ أنا ولدت هكذا، فلماذا أغير ديني ودين آبائي وأجدادي؟ هل يمكن أن تغير أنت دينك؟ ربما.. ما الذي يمنع، إن لم يكن الثبات على قناعة؛ فالتغيير بقناعة أولى. أما أنا فلا أحب التغيير، ولا أحب شروط الإسلام الصعبة. شروط الإسلام الصعبة؟! خمس صلوات كل يوم، زكاة المال، صوم شهر رمضان، حج إلى مكة، لا تكذب.. لا تسرق.. لا تغتب.. لا تزنِ.. إلى آخره. لكنهم يستمتعون بذلك، ويعتبرونه رقي في الحياة وسعادة. ربما هم يستمتعون، أما أنا فلا، وأعتذر أطلت معك الحديث. لا أنا انتهيت من تناول طعامي، وأشكرك على وقتك.
تبدو جاهزًا ومتحمسًا للعمل. نعم.. لدي أعمال كثيرة يجب أن أنجزها اليوم. سنتجه لوضع حقائبك في الفندق، ثم أوصلك حيث تريد. وما الفندق الجديد؟ فندق في حي اسمه المعادي مطل على النيل. قريب من أعمالي؟ القاهرة كبيرة نسبيًّا، ولا أدري أين أعمالك بالضبط، وإن شاء الله يكون مناسبًا وقريبا من أعمالك، وإذا لم يناسبك فيمكن تغييره.
سأنتظرك حتى ترتاح ونخرج بعد ذلك. أنا مرتاح، سأصعد للغرفة وسأعود حالًا.
أود أن أذهب لو سمحت إلى هذا العنوان.. هذه شركة توظيف تخاطبت معها.
الشركة في الجيزة، ليست بعيدة، وهي قريبة أيضا من الأهرامات. جيد، كم أتمنى أن أرى الأهرامات! أكيد، لا يمكن أن تزور مصر ولا ترى الأهرامات. وهل الأهرامات بسبب دينكم؟
العجيب أني قرأت القصة في العهد القديم “التوراة”، وفي القرآن. رائع.. وبصدق: أيهما يقدر ويجل موسى عليه السلام أكثر؟ بصدق.. القرآن؛ رغم أنه نبي اليهود، لكن...
الإنجيل من وجه، والقرآن من وجه. كيف؟ القرآن؛ من حيث التعامل معه، وذكر أخلاقه، وعدم إلصاق النقائص فيه، والعهد الجديد؛ من حيث أنه رفعه وجعله إلهًا! أتعتقد أن جعل بشر إلهًا تكريم له أم كذب عليه؟! أفهم جيدًا ما تعنيه، وستقول لي: وفي بعض نسخ العهد الجديد أنه عبد وليس إله، وستقول غير هذا كثير، ومعك حق فيما تقول، لكن أنت طلبت رأيي في شيء محدد. أظنك اطلعت على بحث: "هل كان المسيح مسلمًا؟" لرئيس قسم الأديان والعقائد في جامعة لوثر في الولايات المتحدة الأمريكية البروفيسور روبرت شيدينغر. نعم.. اطلعت عليه اطلاعًا سريعًا، وأظنه مبالغ؛ إذ كيف يكون المسيح مسلمًا والإسلام جاء بعده؟! كل من قال غير ما اعتدتم عليه؛ إما مبالغ، أو كافر، أو مخالف للمنهج العلمي، هو رئيس قسم اللاهوت، وفي جامعة عريقة، ولم يغير كلامه والجامعة تؤيده، ألا ترى أن الإنسان يحتاج لتبني بعض القرارات لحرية نفسية وشجاعة عالية؟! ربما، أتفق معك في جزء مما قلت. جيد، نحن وصلنا هل تريدني أن أصعد معك، أم أنتظرك وتخبرني متى تنتهي حتى آتي لأخذك؟ لا أدري.. ادخل معي حتى تتضح الأمور لي، ثم أخبرك.
لدينا ساعتين، ونحن بقرب الأهرامات، فهل تود أن تزورهما في الساعتين أم لديك موعد آخر؟ لنذهب للأهرامات، ثم نعود بعد ذلك. جيد، ثم قال: بالمناسبة مدير شركة التوظيف نصراني مثلكم، إلا أنه أرثوذكسي وليس بروتستانتي. كيف عرفت؟ هل تعرفه؟ لا أعرفه، لكن من اسمه كما أخبرنا السكرتير؛ فاسم جرجس لا يسميه عندنا إلا النصارى، أما أنه أرثوذكسي فكل النصارى لدينا أرثوذكس وليسوا بروتستانت.. أعرف أنكم تكفِّرون بعضكم بعضًا.
ألا يوجد في الإسلام فرق تكفر بعضها بعضًا؟! للأسف يوجد. مثل من؟
أين هم؟ هم أقلية في العالم الإسلامي، ويتركزون في إيران والعراق وفي دول أخرى. تعني الشيعة! بل أعني بالأصح الروافض، الذين رفضوا الكتاب والسنة، وغيرهم ممن ينتسبون للإسلام؛ كالبهائية والقاديانية وغيرهم. إذن أصبحتم مثلنا فرق متناحرة تكفر بعضها بعضًا؟ لا لسنا مثلكم، فغالب المسلمون لديهم أن القرآن بسند صحيح في نقله وفهمه ولفظه، لكن أنتم لا يوجد أحد من الفرق لا الأرثوذكس ولا الكاثوليك ولا البروتستانت ولا غيرها لديها إنجيل غير محرف البتة، وأظنكم تعرفون هذا جيدًا. أفهم الفرق الذي تقول، ولكني أرى وجه تشابه، المهم هل يوجد شيعة في مصر؟ تقريبًا لا يوجد، رغم أنهم حكموا فترة من الزمن مصر. وهل قتلتموهم بعد ذلك؟ نحن لسنا مثلكم، ذهب حكمهم، وبقي الناس على السنة والفطرة السوية، وعاد الباقون للسنة وللإسلام. وماذا تقصد بـ «نحن لسنا مثلكم»؟ آمل ألا تفهمني خطأ، على سبيل المثال فقط أين سكان استراليا الأصليين؟ أين سكان أمريكا الأصليين؟! هل يمكن أن توضح أكثر؟! أنت تعرف كيف ظلمت شعوب كاملة! بل وللأسف أبيدت شعوب كاملة، أما الإسلام فقد حرم الظلم وأمر بالعدل.. أها انظر هذه الأهرامات بدت لنا من بعيد. كم هي ضخمة! تتضح ضخامتها وبديع بنائها عندما تقترب منها، سنقف هنا وننزل ونركب عربة بحصان، ولكني أنصحك أن تنتبه لأغراضك الشخصية جيدًا. ماذا تعني؟! مناطق السياح في أكثر دول العالم هي أماكن السرقة والنهب، وهذا ليس خاصًا بنا نحن فقط، وإن تنوعت أساليب السرقة. ألا يفترض أنكم ـ كما تقولون ـ بأن المسلمين لا يسرقون؟ المسلم ليس كائنًا ملائكيًّا، هو لديه أخطاؤه وضعفه ونقصه كغيره، لكن دينه يمنعه من ذلك، بينما غيره قد يحثه دينه على ذلك. كيف؟ بعض الأديان ـ حتى ولو كان أصلها صحيحًا من تحريفها ـ تحث على ظلم غيرها، وقتلهم وسرقتهم، أما الإسلام فيحرم ذلك تحريمًا قاطعًا، ولكن بقدر بعد الناس عن دينهم بقدر بعدهم عن أخلاق الإسلام وروحه، وعند ذلك توجد كثير من الأخلاق والصفات السيئة التي نهى الشرع عنها؛ كالسرقة والزنا وشرب الخمر والكذب وإخلاف الوعد والأنانية وغير ذلك، تفضل انزل. يبدو أنها ستكون رحلة ممتعة.
أشكرك جمال من كل قلبي كانت رحلة ممتعة حقًا، هل يمكن أن نرجع للمكتب الذي كنا فيه؟ ممكن، ويمكنك إن أردت أن تتصل به ليأتيك في الفندق؛ فالساعة الآن الواحدة. جيد سأتصل به.
يبدو أنني سرقت! خيرا إن شاء الله، ربما تكون سقطت منك. لا، أظن الذي كان يقود الحصان عندما كنت أنزل من على الحصان أدخل يده في جيبي وأخذها، لكن الجيد أنه لم يدخلها في الجيب الآخر الذي فيه المحفظة كاملة مع بطاقات الائتمان. الحمد لله، ألم أقل لك انتبه واحذر! المبلغ لم يكن كبيرًا، المهم دعني أتصل على جرجس مدير شركة التوظيف.
لا أريد أن أزعجك وأنت في اجتماع العمل مع جرجس. أتوقع أن يكون الاجتماع قصيرًا؛ فهو مجرد تجهيز لاجتماع مطول غدًا، وأنا أريد أن أتناقش معك في مواضيع مهمة، إلا إذا كنت مشغولًا. لست مشغولًا تفضل.
إن رأيته مناسبًا جلسنا نتناقش قليلًا نجهز للقاء الغد. مناسب جدًّا.
كما ذكرت لك في البريد الإلكتروني أنا أحتاج أن أوظف في شركتنا عددًا من التقنيين وإن كانوا سيعملون هنا في القاهرة، لكني أريد كفاءات مميزة. جهزت لك عددًا من الناس يمكنك مقابلتهم غدًا لو أردت. وماذا يمكن أن تخدموني أنتم في الاختيار؟ الذين ستقابلهم هم الذين رشحناهم لك، وإلا فالمتقدمون أكثر. على أي معايير تم اختيارهم؟ على المعايير المهنية طبعًا! لم أفهم ماذا تقصد؟ ألم يكن أحد المعايير أن يكونوا على المسيحية مثلنا؟
أولًا: كيف عرفت أني مسيحي؟ ثانيًا: صاحب الشركة مسلم وأنا مجرد مدير لها، ثالثًا: المرشحون عشرة أشخاص واحد منهم مسيحي فقط والبقية مسلمون، رابعًا... عذرًا لم أقصد شيء، ولكن توقعت أن الأمور بينكم متأزمة وفي صراع؛ فأردت أن أستوضح الأمور فقط. الأمور بيننا جيدة وليس كما تتصورون في الغرب أو كما تحبون أن تتصوروا، في الحقيقة لم يحمِ الأقليات المسيحية في مصر إلا الحكم الإسلامي، ولذا حتى تاريخيًّا كانوا يقاتلون معه ومن ضمن الجيش الإسلامي. جيد، فقط كنت أحب أن أطمئن أن المعايير ليست عنصرية في الاختيار. اطمئن.. تم الاختيار بمعايير مهنية، رغم أنه كانت نسبة المسيحيين في المرشحين أكثر من الواقع. كيف؟ واحد من عشرة يعني أكثر من نسبة المسيحيين في مصر، على كل حال غدًا ربما أخبرك بشيء إضافي في هذا السياق.. ولا أدري إن كان سيعجبك ويسعدك أم لا؟ رائع، أنا مضطر أن أصعد فأحد أصدقائي ينتظرني في الغرفة في الأعلى.. بالمناسبة صديقي هذا مصري مسلم، وموعدنا غدًا الساعة التاسعة في الشركة، وأتمنى أن أقابل أكبر عدد أستطيع ليتم الترشيح منهم. جيد اتفقنا أنتظرك غدًا، وستجد ـ إن شاء الله ـ ما يسرك، فمصر بلد غني بالكوادر المؤهلة.
هل يمكن أن أسألك سؤالًا مباشرًا؟ تفضل.
اعذرني على الصراحة: ما مصلحتك التي تحصلها من الجلوس معي وتوصيلي ومرافقتي؟ مصلحتي كبيرة جدًّا وواضحة. ما هي؟ خدمة الناس في ديننا لها شأن مهم؛ فهي من أفضل القربات لله تعالى. هل هذه مصلحتك فقط؟! لا هناك مصالح أخرى، مثل خدمة صديق أخي، وهناك ما هو أهم من هذا كله؛ وهو دعوتك للإسلام. عذرًا؛ أما المصلحة الأخيرة فلا أظن، لكن ما مصلحتك المادية، كم تريد مقابل هذه الأعمال؟ صدقني لم أفكر في ذلك، حدد المبلغ الذي تريد، ولكن بعد الأيام الثلاثة الأولى التي هي حق لك بحكم أنك ضيف. كان اليوم حافلًا مع أن الوقت ما يزال مبكرًا، لكني أود أن أنهي بعض الأعمال في غرفتي وأن أنام مبكرًا، أنا شاكر لك.. موعدنا غدًا الساعة الثامنة حتى ننطلق للشركة، فالموعد مع جرجس الساعة التاسعة. جيد، مناسب إن شاء الله.
يبدو أني نسيت محفظتي في الأعلى، سأصعد وآتي بها وأعود، انتظرني دقائق. وماذا تريد منها الآن؟ أريد أن أعطي النادل الذي خدمنا ولو مبلغًا بسيطًا. خذ هذه المائة جنيه، فليس لديك جنيهات مصرية، وغدًا إن شاء الله نصرف وتعطيها لي، حتى يكون صعودك مرة واحدة، والوقت الآن قرابة الخامسة وأنت تريد أن تنجز بعض الأعمال. أنا شاكر لك يا جمال.
أين محفظتي؟ أنت تقول أنك تركتها في الغرفة. أرجو أن تكون أكثر وضوحًا، أنا تركتها في الغرفة وتركتك في الغرفة وعدت ولم أجدها. ماذا تعني؟ لن تخدعني بالمائة جنية التي أعطيتني، أعد محفظتي الآن. عذرًا أنا لم آخذها. كنت بمفردك في الغرفة وهي كانت في الغرفة، فمن أخذها؟ أكرر أنا لم آخذها أبدًا. وتقول لي: أنال الأجر من الله، وأخدم صاحب أخي، الآن اتضحت الأمور، يبدو أن دينكم دين السرقة، في يوم واحد أُسرق مرتين! آمل ألا تتهجم على الإسلام، أنا لم آخذها. أين ذهبت إذن؟ هل طارت؟! لماذا تتكلم معي هكذا؟! إن لم تصلني المحفظة قبل الساعة التاسعة صباحًا فسأبلغ الشرطة عنك، ثم تقول لي: خدمة الناس من الدين، يبدو أنه لديكم سرقة الناس من الدين، حتى لا أطيل الكلام موعدنا الساعة الثامنة ومعك المحفظة، هذا آخر كلام لدي.
يبدو أن كاخ سينتصر عليّ! ما الذي جاء بي إلى هذه البلاد، أمن أجل التعرف على الإسلام، دين السرقة؟ سُرقت اليوم مرتين.. ويأتي جمال ليقول لي أريدك أن تسلم!! أيّ سخف هذا؟؟!
من الجيد أن موعدي غدًا مع مسيحي وليس مسلما، فهذا سيجعله أكثر نصحًا لي.. ثم قرر أن يتصل به ويخبره بالذي حدث، اتصل مرحبا، هل تغير الموعد؟ لا أبدًا، لكني سُرقت من صديقي المسلم الذي كان في غرفتي أثناء مقابلتك، وأحببت أن أستشيرك، ماذا أفعل؟ متأكد أنه سرقك؟ للأسف نعم، تركته وتركت محفظتي في الغرفة وعدت ولم أجدها. ربما يحتاج أن تبحث جيدًا في الغرفة، أو ربما سقطت منك في الفندق. أنا متأكد، كم كنت غبيًّا عندما كان يضحك علي باسم الدين، هددته إن لم يحضرها غدًا صباحًا بأن أبلغ للشرطة. آمل أن يحضرها، أما الشرطة فلن تنفعك شيئًا؛ إذ لا يوجد أي إثبات عليه كما أفهم من كلامك. نعم، لا يوجد أي إثبات، لكن ما الحل؟ متى موعدك معه غدًا؟ الساعة الثامنة. جيد، هل يمكن أن تعطيني رقم هاتفه لأحاول معه. تفضل، هذا رقمه... آمل أن ترتاح، وغدًا نبحث ماذا يمكن أن نعمل، وعلى كل الأحوال آمل أن يحضرها معه.
«عزيزي جورج آمل أن تكون سعيدًا في مصر مثل سعادتي في ليبيا، الشعب هنا ودود جدًّا خلوق جدًّا متدين جدًّا، وربما الفارق بين الطبيعة الغربية وطبيعة هؤلاء العرب، أن الأخلاق لديهم جزء من دينهم لا صفة نفعية ينتظرون نفعها من الناس مثل نمطنا الغربي، طمئنا عن صحتك وأخبارك جانولكا»
«عزيزي جانولكا أسعدتني سعادتك في ليبيا، لكني آمل أن تأخذ حذرك جيدًا من هؤلاء المسلمين، بالنسبة لي سرقت حتى الآن مرتين من المسلمين المصريين، أحدهما من شخص كان يدعوني للإسلام، ولم يقف معي في محنتي إلا مسيحي مثلي، كم أتمنى أن أنهي عملي سريعًا هنا وأعود إلى بريطانيا جورج»
«عزيزتي ليفي للأسف حصل ما حذرتيني منه؛ سرقت في مصر، رغم ما ذكرتي سابقًا من اندفاعي للإسلام إلا أني أصبحت متيقنًا أنّه دين لا أخلاقي، ربما تكون اليهودية أو المسيحية محرفة والإسلام غير محرف، لكنه دين لا أخلاقي البتة، سأوافيكِ بأخباري الأخرى قريبًا لكني تذكرت تحذيرك لي وعدم استفادتي من تحذيرك لي. جورج»
ربما هذه الشعوب الإسلامية لديها انفصام في الشخصية وازدواجية.. كم أكره هذا الدين الذي يكيل بمكيالين!
جورج البريطاني؟ نعم. لقد حُمل صباح اليوم الباكر للمستشفى في حالة إسعافية بسبب انخفاض حاد في الضغط. وهل عاد؟ نعم عاد منذ ساعتين تقريبًا، ولا أدري إن كان نائمًا أم لا؟ آمل أن تتصل به الآن، وأخبره أن هناك شخصا اسمه جمال يريد أن يصعد للاطمئنان على صحته.
أعتذر لك جورج، صدقني لم أقصد أن أسيء إليك، وهذه حقيبة ذهب زوجتي، هي عندك أمانة حتى تفتح البنوك وأذهب وأحضر لك المبلغ، فأنا لم أستطع أن أحضر محفظتك ولا أعرف كم فيها! هل كل هذا خوف من الشرطة؟ أنا أتأسف لما حدث، لكن الشرطة لن تستطيع أن تفعل شيئًا. إذن لماذا تحضر ذهب زوجتك؟ أنت ضيف وحقك الإكرام، ثم أنت انقطعت بك السبل وحق علينا أن نساعدك، وأيضًا لا أريد أن أشوه صورة الإسلام في نظرك. ما زلت مصرًا أنه ليس أنت الذي أخذتها؟! بلا شك ليس أنا، لكن لا أود أن نناقش ذلك الآن حتى لا تتعب. لو كنت مكاني ماذا ستفعل؟ حقيقة لا أعرف، فهذا ينبني على مقدار أهمية المحفظة بالنسبة لي وحاجتي إليها، وعلى مقدار استقراري النفسي، ربما تخصصي في الرياضيات يجعل كل شيء عندي يتحول إلى حسابات. ولو فعلت مثلي، ماذا تتوقع أن أفعل لو كنت مكانك؟ أعذرني من الإجابة. هل تتوقع أن أفعل ما فعلته أنت الآن؟ حقيقة لا، لكن أنت تستحق ذلك. ولو بعدما فعلت ما فعلت وجدت محفظتك، ماذا تقول لصاحبك؟ هل وجدتها؟! مجرد افتراض، حاول أن تستمر معي في افتراضاتي العقلية. لا بد أن أعتذر لصاحبي، وأعتقد أن المسألة صعبة جدًّا عليّ وقد تجعلني أنهار. ولو اعتذرت له ورفض اعتذارك ولم ينس لك ما فعلت؟ معه حق، وإن كان الأولى أن يتسامى الإنسان ويغفر ويعفو؛ فالله عفو يحب العفو.
إذن أنا أعتذر لك؛ فقد وجدت محفظتي.. وبسببها انخفض الضغط عندي وأُخذت للمستشفى ولم أدر ماذا أفعل؟ أكرر اعتذاري لك فاعف عني فالله كما تقول يحب العفو.
سامحتك، لكن ما أستطيع أن أقوله لك أني لم أستطع أن أنام من أمس حتى هذه اللحظة، لا أنا ولا زوجتي ولا أخي باسم في بريطانيا ولا آدم. هل أخبرتهم؟! ضاقت عليّ الأرض وأنا أبحث عن حل، واتصل علي جرجس يعظني ويعلمني كيف تكون أخلاق الإسلام، ولم أرد أن أكون فتنة لك، قال تعالى{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [الممتحنة:5]. أنا آسف جدًّا. رغم الجراح لكن اعتبر أن الموضوع قد انتهى ، واعتبر وكأنه لم يحدث، كيف صحتك الآن؟ أنا بخير، ولكني أخطأت في حقك خطأً كبيرًا. أنا سامحتك، لكن لي شرط. وما هو؟ أن تنسى ما حدث وتهتم بنفسك، وإلا لن أسامحك. أنا موافق على شرطك، ولكن بشرط أن تنسى أنت إساءتي. اتفقنا، هل أفطرت؟ لا. أنا مدعو على مائدة إفطار، ولكن بسرعة حتى لا تتأخر على موعدك مع جرجس، وسأسبقك إلى المطعم وأنتظرك في الأسفل. خمس دقائق وأكون عندك.