دلائل النبوة والرسالة

دلائل النبوة والرسالة

دلائل النبوة والرسالة

إيتين دينيه

رسام ومفكر فرنسي
المعجزة الخالدة
"إن معجزات الأنبياء الذين سبقوا محمدًا كانت في الواقع معجزات وقتية؛ بينما نستطيع أن نسمي القرآن (المعجزة الخالدة)؛ لأن تأثيره دائم ومستمر، ومن اليسير على المؤمن في كل زمان ومكان أن يرى هذه المعجزة بمجرد تلاوة في كتاب الله، وفي هذه المعجزة نجد التعليل الشافي للانتشار الهائل الذي أحرزه الإسلام، ذلك الانتشار الذي لا يدرك سببه الأوروبيون؛ لأنهم يجهلون القرآن، أو لأنهم لا يعرفونه إلا من خلال ترجمات لا تنبض بالحياة فضلًا عن أنها غير دقيقة".

إن الرسل والأنبياء الذين أرسلهم الله إلى عباده لا بدّ أن يقيم الله الدلائل والبراهين المبينة لصدقهم في دعواهم، والمؤكدة على أنهم رسل الله؛ حتى تقوم الحجة على الناس، ولئلا يكون هناك عذر في عدم تصديقهم وطاعتهم، قال تعالى {لقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} [الحديد: 25]

وتتعدد تلك الدلائل المؤكدة على صدق الرسل

المعجزات

وهي ما يجريه الله على أيدي رسله وأنبيائه من أمور خارقة للسنن الكونية المعتادة التي لا قدرة للبشر على الإتيان بمثلها، ومن ذلك آية موسى عليه السلام حينما انقلبت عصاه ثعبانًا، قال تعالى{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ١٧ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى ١٨ قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى ١٩ فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى ٢٠ قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى ٢١ وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى ٢٢ لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى} [طه:17- 23]

وآية عيسى عليه السلام حينما كان يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، قال الله تعالى على لسان مريم العذراء حال تبشيرها بعيسى عليهما السلام{قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ٤٧ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ٤٨ وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ٤٩ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُون ٥٠ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [آل عمران:47 51]

وآية محمد صلى الله عليه وسلم العظمى، وهي القرآن العظيم، على الرغم من كونه أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، قال الله تعالى {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ٨٨ َلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} [الإسراء:88 -89]

، إلى غير ذلك من آيات الأنبياء والرسل.

وباستقراء الآيات والمعجزات التي أعطاها الله لرسله وأنبيائه نجدها تندرج تحت ثلاثة أمور: العلم، القدرة، الغنى؛ فالإخبار بالغيبيات الماضية والآتية؛ كإخبار عيسى قومه بما يأكلونه وما يدخرونه في بيوتهم، وإخبار رسولنا r بأخبار الأمم السابقة، وإخباره بالفتن وأشراط الساعة التي ستأتي في المستقبل ـ كل ذلك من باب العلم، وتحويل العصا أفعى، وإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، وعصمة الله لرسوله محمد rمن الناس، من باب القدرة، وحمايته له ممن أراد به سوءًا، قال تعالى{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[المائدة: 67]

وهذه الأمور الثلاثة: العلم، والقدرة، والغنى، التي ترجع إليها المعجزات لا ينبغي أن تكون على وجه الكمال إلاّ لله تعالى.

البشارة بالأنبياء والرُسل

لايتنر

مستشرق إنجليزي
النصرانية الحقة
"إن الديانة النصرانية التي أراد محمد إعادتها لأصلها النقي كما بشر بها المسيح تخالف التعاليم السرية التي أذاعها بولس والأغلاط الفظيعة التي أدخلها عليها شيع النصارى، ولقد كانت آمال محمد وأمانيه ألا تخصص بركة دين إبراهيم لقومه خاصة، بل تعم الناس جميعًا، ولقد صار دينه الواسطة لإرشاد وتمدن الملايين من البشر، ولولا هذا الدين للبثوا غرقى في التوحش والهمجية، ولما كان لهم هذا الإخاء المعمول به في دين الإسلام".

من دلائل صدق النبوة بشارة الأنبياء السابقين بالأنبياء اللاحقين، ولقد أخذ الله العهد والميثاق على كلّ نبي لَئِن بُعث محمد rفي حياته ليؤمنن به، قال تعالى {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}[آل عمران: 81]

النظر في أحوالهم

روم لاندو

نحّات وناقد إنجليزي
شهادة حق
"لم ينسب محمد في أيّ يوم من الأيام إلى نفسه صفة ألوهية أو قوى أعجوبية، على العكس لقد كان حريصًا على النص؛ على أنه مجرد رسول اصطنعه الله لإبلاغ الوحي للناس".

الأنبياء والرسل كانوا يخالطون أقوامهم ويتعاملون معهم؛ وبذلك يتسنى للناس أن يتعرفوا على سيرتهم، ويدركوا صدقهم، فلما اتهموا مريم العفيفة ونبي الله عيسى عليهما السلام أظهر الله صدقهما، قال تعالى {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ٢٧ يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ٢٨ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ٢٩ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ٣٠ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ٣١ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ٣٢ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا } [مريم:27- 33]

، وهكذا فقد تكلم عيسى عليه السلام في المهد. ولقد كانت قريش تسمي الرسول محمدًا rقبل بعثته بالصادق الأمين؛ وذلك لصدقه وأمانته، وقد أرشد القرآن إلى ذلك؛ ليستدل به على صدق الرسول r، لأنّ شخصه وحياته وسيرته هي أعظم دليل، فقال تعالى{قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [يونس: 16]

الإتفاق على الأصول

إيفلين كوبولد

نبيلة إنجليزية
التجرد لله
"مع أن محمدًا كان سيد الجزيرة العربية؛ فإنه لم يفكر في الألقاب، ولا راح يعمل لاستثمارها؛ بل ظل على حاله مكتفيًا بأنه رسول الله، وأنه خادم المسلمين، ينظف بيته بنفسه، ويصلح حذاءه بيده، كريمًا بارًّا كأنه الريح السارية، لا يقصده فقير أو بائس إلا تفضل عليه بما لديه، وما لديه كان في أكثر الأحايين قليلًا لا يكاد يكفيه".

من دلائل النبوة أن تتفق دعوة الرسول في أصولها مع أصول دعوة الرسل والأنبياء كافة، فيدعو الرسول إلى توحيد الله عز وجل؛ إذ هذه هي الغاية التي من أجلها خلق الله الخلق وأرسل من أجلها الرسل، قال تعالى{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]

، وقال {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ}[الزخرف: 45]

، وقال{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}[النحل: 36]

، وإلى هذا دعا محمد r؛ فالرسول لا يعدو أن يكون بشرًا مثل الناس فُضِّل وكُرِّم بالوحي، قال تعالى{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف: 110]

، فلا يدعو إلى ملك له أو رياسة، قال تعالى{قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام: 50]

، ولا يسأل الناس أجرًا لقاء دعوته، قال تعالى مخبرًا عن أنبيائه «نوح وهود وصالح ولوط وشعيب أنهم قالوا لقومهم{وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: الآيات: 109، 127، 145، 164، 180] ، وقال محمد r لقومه {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]

نصر الله وتأييده

هنري سيرويا

مستشرق فرنسي
إنما أنا بشر مثلكم
"محمد شخصية تاريخية حقة، فلولاه ما استطاع الإسلام أن يمتد ويزداد، ولم يتوان في ترديد أنه بشر مثل الآخرين مآله الموت، وبأنه يطلب العفو والمغفرة من الله عز وجل، وقبل مماته أراد أن يطهر ضميره من كل هفوة أتاها؛ فوقف على المنبر خاطبًا: أيها المسلمون، إذا كنت قد ضربت أحدًا فهاكم ظهري ليأخذ ثأره، أو سلبته مالًا فمالي ملكه"،

من دلائل صدق الأنبياء والمرسلين أيضًا نصرة الله لهم وحفظه إياهم؛ إذ كيف يُعقل أن يَدَّعي شخص أنه نبي أو رسول وهو كاذب في دعواه، ثم يتولى الله نصرته وحفظه وتأييده، ونشر دعوته، بل ولا ينزل به عقابه وعذابه!!

قال تعالى{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}[النحل: 116]

وقال تعالى {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ٤٤ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ٤٥ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة: 46]




كلمات دليلية: